ورقة ملقاة فی جلسة افتراضیة تحت عنوان “ندوة دولیة عبر الإنترنت حول دور القرآن الکریم فی خلق حضارة اسلامیة جدیدة” ـ أمانة المعرض الدولي التاسع و العشرین للقرآن الکریم بمساعدة جامعة طهران و منظمة الثقافة و الإعلام الاسلامی ـ ۲۸ فروردین ۱۴۰۱ / ۱۵ رمضان ۱۴۴۳ ق.
انتباه ـ هذه الورقة مقتبسة من هذه المقالة التی نشرت قبل ستة أعوام: الویری، محسن، “کارکرد تمدنی قرآن؛ یک بررسی مقدماتی در قلمرو تمدن پیشین اسلامی”، فصلنامه علمی ـ پژوهشی نقد و نظر، پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی، دوره ۲۰، شماره ۸۰، زمستان ۱۳۹۴، صص ۵۵ ـ ۷۶٫)
مقدمة
إذا اعتبرنا الحضارة مجموعة من المكونات التي تقوم على فكرة أساسية ومنظمة و متکونة من أنظمة مختلفة ، فإن هذه الفكرة الأساسية في الحضارة الإسلامية المبكرة كانت متخذة و مقتسبة من التعاليم الإسلامیة و الوحی الإلهي والقرآن کان رمزا خالد لهذه التعاليم. فالقرآن کان هو الأساس المعرفي ومنطق التكوين و المحدد لكيفية العلاقات بين المكونات و النظم الاجتماعیة والمسار الحضاري فی حضارتنا الاسلامیة الماضیة. یمكن توثيق هذه القضیة بالنظر إلى ماورد فی القرآن ودراسة تعاليمه الحضارية من جهة، والنظر إلى واقع الحضارة الإسلامية ودور القرآن فيه من أخری. و هذا المقال یتناول الموضوع من جانب تاریخی فحسب مرتکزا علی مجالين رئيسيين على النحو التالي:
· أثر القرآن على الروح الشاملة والعامة للحضارة الإسلامية و اتجاهاتها وتوجهاتها
· أثر القرآن على مكونات ومظاهر الحضارة الإسلامية
الف. أثر القرآن على الروح الشاملة والعامة للحضارة الإسلامية السابقة و اتجاهاتها وتوجهاتها
يتم تنظيم كل حضارة على أساس سلسلة من المعتقدات والقيم ولا شك أن الأديان يمكن أن تلعب دورًا في تكوين الحضارات بسبب تضمنها هذه المعتقدات والقيم. المنظرون ومؤرخو الحضارة مثل ويل ديورانت وتوينبي وحتى المنظرين المعاصرين مثل صموئيل ب. هنتنغتون یعتقدون بأن الأديان هي السمة الرئيسية والواضحة والأساس للحضارات. و کدراسة ميدانية، أظهر الكتاب الشهير لماكس ويبر (۱۹۲۰) بعنوان الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية بوضوح كيف تأثرت الحضارة الغربية الحديثة التي تركز على النظام الرأسمالي بالأخلاق الدينية المسيحية البروتستانتية.
و فی حضارتنا الاسلامیة المسبقة أیضا نشاهد نفس الشیء أی سماتها و مواصفاتها العامة هي النتيجة الطبيعية للمعرفة والتعاليم التي جاء بها الاسلام و الموقع المركزي لها هو فكرة التوحيد و ما یبتنی علیها من مفاهيم مثل القيامة والعدالة وحرية الإنسان. الدین الذی لا يدعو الإنسان إلى كماله الحقيقي لا يمكن أن يكون له مثل هذه الإنجازات.
ب. تأثير القرآن على مكونات ومظاهر الحضارة الإسلامية السابقة
تتم دراسة هذا المحور بناءً على نتائج الدراسات التقليدية للحضارة فی أربعة محاور فرعیة:
الاول ـ دور القرآن فی العلوم فی الحضارة الإسلامية
يمكن تقسيم هذا الدور حسب انواع العلوم التی أثر القرآن فیها إلى ثلاث فئات:
· العلوم التي کانت نقطة البدایة لتکوینها القرآن و هی التی وُجدت لخدمة دراسة القرآن وفهمه مباشرة،مثل قراءة القرآن، التجويد، التفسير، الصرف و النحو، العلوم البلاغیة، فقه اللغة (کما یشیر إلیه الراغب الاصفهانی فی مقدمة مفردات الفاظ القرآن فی غریب القرآن، ص ۶)
· العلوم التي لها صلات بالقرآن و جذور فی القرآن في مختلف أجزائها ومبادئها وقضاياها و لکنها لمتتکون فقط لخدمة القرآن مثل علم الكلام، والأخلاق، والفقه، ومبادئ الفقه، والتاريخ ، والعرفان
· العلوم التي تکونت أو دخلت المجمتع الاسلامی لتلبية حاجات المجتمع الإسلامي و هی ما نسمیة العلوم الدخیلة و هی التی نشأت قبل الاسلام و لم يتم إنشاءها لفهم القرآن، ولا لفهم الدين و لکنها کانت متأثرة من القرآن بحیث كان للقرآن دور فعال في تشجيع تعلمها ونشرها وإعادة تعريف أسسها و فی بعض الاحیان منهجها، مثل النجوم والجغرافيا والطب و الفلسفة و حتی الأدب.
الثانی ـ دور القرآن فی الفنون الشعبية في الحضارة الإسلامیة
بإمکاننا أن نقسم هذه الفنون أیضاً الی قسمین:
· الفنون التي نشأت مباشرة لخدمة القرآن - لم يكن لهذه الفنون ، على الأقل في المراحل الأولى من وجودها، أي غرض سوى تقديم القرآن بشكل أكثر جمالاً ومن أهم هذه الفنون وأبرزها كتابة القرآن وخطه (و یشیر ابن خلدون فی المقدمة (صص ۴۳۸-۴۳۹) الی هذا الموضوع) و زخرفة القرآن. ذکر لنا المصادر التاریخیة بأنه كتب ظهیرالدين بابر الحاكم المغولی الشهير في الهند القرآن بخط جميل وقدمه للكعبة المشرفة و أیضا ورد فی التاریخ عندما فتح صلاح الدين الأيوبي مصر وجد ۳۴۰۰ مصحفا في مكتبة الخليفة الفاطمي وكلها مكتوبة بخط جميل و بماء الذهب. حتى اليوم فی حین و آخر تتباهى بعض المتاحف بإزالة الستر عن كنوز ثمينة من القرآن بخطوط جميلة وتذهيب رائع.
· الفنون التي استلهمت القرآن وأهم هذه الفنون العمارة والفسيفساء والنحت على الخشب والرسم ونسج السجاد والتزجيج بالزخرفة المزججة والفخار وغیرها.
الثالث ـ أثر القرآن على المساحات المادية و البنایات فی الحضارة الإسلامیة
أقصد من المساحات المادیة، البنایات بما هی جزء من مدینة أو قریة لا العمارة و يمكن تقسيم هذه البنایات أیضاً إلى فئتين عامتين: البنایات التي تخدم القرآن مباشرة مثل دور القرآن والمساجد و البنایات التی تخدم لسد الحاجات العامة للمجتمع الإسلامي والتي تأثر بعضها بتعاليم القرآن مثل المدارس و المکتبات و الأسواق.
الرابع. أثر القرآن على الحياة الاجتماعية فی الحضارة الإسلامية
و الجانب الرابع لأثر القرآن علی مکونات الحضارة الإسلامیة السابقة هو أثرها علی الحیاة الإجتماعیة وهی التی یمکننا أن ندارسها بدوره فی جوانب مختلفة مثل:
ظهور المجموعات الاجتماعية الجديدة - كانت إحدى النتائج الاجتماعية للقرآن هي ظهور مجموعات اجتماعية جديدة في المجتمع الإسلامي تعتمد هوياتها على القرآن. مثل قراء القرآن و حفاظ القرآن ومعلمی القرآن و مفسریه.
ظهور أعمال جديدة وقواعد لاسابقة لها للدخل - كان القرآن مصدر ظهور أو توسع بعض الأعمال وقواعد الدخل الجدیدة في الحضارة الإسلامية. وأوضح مثال على ذلك بيع المصحف الذي لا يزال يعتبر الأكثر مبيعًا فی عالم الکتب. و یمکن أن نضیف الیه بعض الاعمال مثل التجليد والنسخ أو قراءة القرآن للاموات.
وضع القوانين الجدیدة - بعض القوانين و القرارات العامة للمسلمين خاصة فی مجال القوانین المدنیة أخذت مباشرة من القرآن، مثل طريقة تقسيم المواریث، والعقاب على بعض الجرائم مثل السرقة ، أو قوانین الزواج أو اجراء الحدود
ظهور عادات و طقوس و تقالید خاصة ـ هناک جانب آخر لأثر القرآن علی الحیاة الاجتماعیة و هو أثرها لظهور عادات و تقالید جدیدة مثل ما نریه فی إیران من جعل القرآن جزءا من مهر المرأة و أخذ القرآن إلى منزل جديد بجوار المرآة، و مرور تحت القرآن في بداية الرحلات الهامة أو الرحلات الخطرة، و قراءة جزء من الآية ۶۲ من سورة النمل لسد الحاجات (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) وتلاوة الآية ۹ من سورة یس للاختباء من أعين الأعداء (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) وتلاوة سورة الحمد للشفاء وتلاوة الآيتين ۵۱ و ۵۲ من سورة القلم للبقاء. بعيدا عن اصابة العیون.
التأثير على الحياة اليومية للمسلمين - بالإضافة إلى كل ما ذكر ، كان للقرآن أثر في الحياة اليومية للمسلمين و هو یختلف عن التقالید و الطقوس. ومن أهم الأمثلة التي يمكن ذكرها في هذا الصدد: القرائة اليومية لآيات من القرآن والتي كانت سبب تقسيم القرآن إلى أجزاء وأحزاب و ذکر الآية بسم الله الرحمن الرحيم في بداية كل عمل حتی الأكل وشرب الماء.
النتیجة
إن القرآن بكلماته البسيطة وعمقه اللامتناهي، استطاع أن یدرب و یربی أبناء آدم بماهم اشخاص و افراد و لکنه اضافة الی ذلک کان قادرًا أیضا على بناء مجتمع مثالي نام و متقدم و هذا هو ما نقصد بالحضارة الاسلامیة الماضیة. و إذا كان القرآن هو الاساس للحضارة الإسلامية السابقة من جانب و إذا كانت تعاليم القرآن الحضاریة خالدة من جانب آخر، فيمكن إعادة فهم القرآن وفقًا لحاجاتنا الجديدة، وببیان أخر إذا كانت لدینا تجربة ناجحة في لعب دور القرآن في الساحة الاجتماعية والحضاریة فلایزال یمکن أن یعود القرآن الی مشهد حضاری و يكون مصدراً لتحول عميق وشامل فی المجتمع و هذه هی الخطوة الاولی نحو الحضارة الجدیدة فی الأمة الإسلامیة.
@MohsenAlviri
دیدگاهتان را بنویسید